أمام المغرب والجزائر، فرصة تاريخية لدفن الماضي رغم كُلفته الباهضة
يَدخل ملف الصحراء، نهاية شهر أكتوبر الجاري إلى مُنعرج حاسم، حيث مُسودة قرار المشروع الأمريكي التي تضع الحكم الذاتي كأرضية وحيدة لإغلاق هذا الملف، موضوعة على طاولة أعضاء مجلس الأمن الـ 15 للتصويت عليها الخميس المقبل، ليصبح مَضمون القرار، عند التصويت عليه، أيًّا كانت نتائجه، مُلزما بقوة القانون الدولي.
تُؤكد الولايات المتحدة الأمريكية، أن المسودة المقدمة لأعضاء مجلس الأمن، قابلة للنقاش وإلى التعديل، غير أن الإدارة الأمريكية تضع سقفا لأي صياغة نهائية ستطرح للتصويت في الـ 30 من شهر أكتوبر الجاري، بِوَضع خطة الحكم الذاتي المغربية أساس أي صيغة نهائية لمشروع القرار الذي يفترض أن ينهي الجدل القانوني لملف الصحراء، الذي وُلد على أيدي معمر القذافي وتبناه هواري بومدين ورعاه النظام الجزائري منذ سبعينات القرن الماضي، وجعل منه عقيدة راسخة لتبرير تشبثه بالسلطة من خلال خلق عدو خارجي، وأزمة إقليمية، تحتاج بشكل دائم لِلُحمة دَاخلية وَقَواعد تدبيرٍ خاصة للدولة وميزانيتها.
وللخروج من "المأزق" القانوني للملف، نزل المغرب بكل ثقله بمجلس الأمن ضمن تحالف تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وتدعمه بريطانيا، مع قبول صيني بارد، وتحفظ روسي مُتوقع حول ديباجة مسودة القرار الأولية التي قدمتها ممثلة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة مورغان أرتاغوس إلى أعضاء مجلس الأمن الدائمين للاطلاع عليها.
وإن كانت الساعات المقبلة حاسمة لاختيار المفردات القانونية للصياغة النهائية لمسودة المشروع الذي سيقدم لأعضاء مجلس الأمن 15 من أجل التصويت عليها، الخميس المقبل، فإن الثابت أن النقاش الدائر في كواليس الأمم المتحدة، صحي، وحاسم للملف بعد أن اقتنع المجتمع الدولي، بما فيهم أغلبية أعضاء مجلس الأمن الدائمين ممن يملكون حق النقض الفيتو، ومعهم الكتل السياسية مثل دول الاتحاد الأوروبي، أنه حان الوقت لاتخاذ خطوة إلى الأمام لإنهاء ملف أصبح يعيق التطور الطبيعي للمنطقة، ولمحيطها، وقد يشكل بؤرة أمنية، غير محلولة تتغذى في التوترات والصراعات الانفصالية في المنطقة المغاربية، وحتى في دول الساحل.
طي ملف الصحراء لا يجب أن يمضي وفق منطق رابح/خاسر، بل بقناعة راسخة أن هذا المشكل أنهك المنطقة لنصف قرن، وبإغلاقه تفتح آفاقا كبيرة للمستقبل من أجل الانكباب علي تنمية البشر والحجر في منطقة هي الأقل تكاملا في العالم، بسبب هذا الملف الذي خُلق في زمن الحرب الباردة، وهو ما أشار إليه العاهل المغربي الملك محمد السادس في خطاب العرش الأخير، حينما أكد أن حل مشكل الصحراء يجب أن يكون توافقيا "لا غالب فيه ولا مغلوب" ويحفظ ماء وجه جميع الأطراف المعنية.
بدوره، أكد كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، في حوار مع قناة "سكاي نيوز عربية" أن الجزائريين "منفتحون على هذا النقاش البناء"، وهو ما يؤشر إلى العقلانية في التعاطي مع الملف الذي احتاج لراعٍ دولي من قيمة الولايات المتحدة للدفع به إلى مسار حاسم يُخرج المنطقة من الجمود القاتل للمستقبل.
اليوم أمام الجزائر فرصة تاريخية لتتحمل مسؤولياتها في إنهاء هذا الصراع الذي كلف ملايير الدولارات وضيّع نصف قرن في الحروب الظاهرة والخفية بين دولتين كان اندماجهما السياسي والاقتصادي أن ينعكس علي تنميتها في عالم متقلب ومتغير تتطور احداثها باستمرار، كما على الرباط أن تجلب الجزائر إلى الطاولة للتوافق وسحب الهواجس التاريخية بين البلدين لإخراج جلسة الخميس المُقبل، بدون صرع كسر العظام، ليكون التصويت خطوة جريئة، يراها الجميع تاريخية من أجل بناء المستقبل ودفن الماضي بكلفته الباهضة، وفرصه الضائعة.





تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :